مواضيع مهمة

.

.

مواضيع مختلفة

مواقع تعليمية

المناظرات الوطنية

mercredi 6 mai 2015

علاقة التلميذ بالمدرسة





    1- كانت العلاقة بين الأستاذ والتلميذ تنبني على الاحترام والتقدير الذي يصل إلى درجة التقديس المبالغ فيه أحيانا، إما نتيجة لحب عفوي أو بسبب خوف مركب إلى درجة ان التلميذ كان لا يجرؤ على المرور في الشارع الذي يمكن ان يجد فيه معلمه و لا يمكنه ان يمر أمام المقهى التي يجلس فيها أستاذه ، وبنفض الأطفال بمجرد رؤيتهم مدرسهم في زاوية الشارع أو " راس الدرب" . فقد كانت العلاقة علاقة قسوة نوعا ما  لكنها كانت كذلك أبوية تصدر – حسب المدرسين - ممن يريد الخير لابنه .. وبين كل هذا وذاك كانت مكانة المعلم محفوظة في المجتمع ،  راقية بين الناس يسهل فيها التلميذ من دور معلمه . فقد كان المجتمع – كما التلميذ – ينظر إلى الأستاذ بتقدير، على اعتبار انه مصدر المعرفة الوحيد ، فيمنحه وضعه الاعتباري الخاص ويقدس مكانته وينصت لكلماته و يطبق توجيهاته ... كانت المدرسة بأطرها هي مكان الانضباط واحترام القوانين والآداب والسلوك .

   2- و كما انهارت  مكانة الأستاذ الاجتماعية و  تقلص دوره المجتمعي ، تراجعت كذلك قيمته بين الناس .. فأمام فشل المنظومة التعليمية وبؤس الإصلاحات المتعاقبة - لا في المناهج أو البرامج والأهداف - وتفريخ آلاف العاطلين من المدرسة و تراجع المستوى التعليمي ... وصلت قيمة المعلم إلى الحضيض . ونتيجة لذلك تراجعت القدسية التي كان التلميذ ينظر بها إلى معلمه و وصلت إلى درجة التخسيس والتبخيس و الاستخفاف و الاحتقار .. بل إنها تحولت إلى علاقات يسودها التوتر ويطغى عليها العنف  ، تتجاوز حدود اللياقة والأدب . فبعد ان كاد المعلم حسب تعبير أمير الشعراء " ان يكون رسولا " بات اليوم وفي نظر الكثيرين ان يكون محتقرا أو حمار أو مذبوحا .. فما ان تنقر الكلمات الأولى على محركات البحث ومنها "غوغل " من البيت الشعري الشهير " كاد المعلم ان يكون ..." حتى تطالعك عشرات العبارات من هذا القبيل والتي تعبر في جوهرها على المكانة التي أصبح يوضع فيها المدرس .. هكذا وصلت العلاقة بين التلميذ و المدرس في نظر البعض إلى الباب المسدود ، حيث  انتشر التشنج والعداء وانعدام الثقة بين الطرفين وغياب الاحترام الواجب، بل قد تصل العلاقة إلى حد التهديد بالقتل وكثرت حالات الاعتداء والسب والشتم . فخلال السنوات الأخيرة بدا جليا وجود توترات تقلق الأسرة التعليمية والآباء، وتتمثل هذه التوترات في موجة الاعتداءات اتجاه الأساتذة من قبل عدد من المتعلمين كما تتجلى في العنف المضاد ...

      3- وأمام تزايد دور الإعلام وتنوع مصادر المعرفة و التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ... نزلت مكانة الأستاذ من أعلى الطبقة المتوسطة إلى أدناها بل والى الدرجات الاجتماعية السفلى ماديا ومعنويا .. حيث انه  لم يعد مصدر المعرفة الوحيد ، فاليوم أمام الشبكة العنكبوتية يمكن للجميع ان تصل إلى المعرفة وبطرق متنوعة قد تفوق المهارات التي يتوفر عليها المدرس وقد تتجاوز إمكانياته  . كما ان الإعلام لعب بدوره دورا خطيرا في هدم علاقة التوقير والتقدير بين الأستاذ و التلميذ من خلال التركيز على ما يعكر صفو الاحترام بينها وبين دائما الأستاذ كأنه ذاك الموظف الذي يحصل على اجر شهري دون يتعب من اجله وسنته الدراسية كلها عطل رسمية أو غير رسمية ( إضرابات وشواهد طبية و تغيبات غير مبررة و تسريح التلاميذ بشكل مبكر أو دخولهم المتأخر .. ) . كما ان البرامج المعتمدة بعيدة عن الواقع المغربي ولا تواكب المتغيرات السيوسيو اقتصادية  وليس وليدة الحاجيات الاجتماعية التي تنطلق من واقع التلميذ ..فجل النظريات مثالية وبعيدة عن الواقع  ( بيداغوجيا الكفايات والإدماج نموذجا ) و لا تتوفر لها الإمكانات المادية واللوجيستيكية اللازمة لتفعيلها .. مما سيؤدي إلى خلق تنافر بين التلميذ الذي يحس بالفشل الدراسي والمعلم الذي يفرض عليه إتباع التعليمات الصادرة من جهات تقرر من أبراجها العاجية .

     4- تساهم التنشئة الاجتماعية المضطربة في اختلال المعادلة فقد أكد الباحث الاجتماعي عزيز مشواط أن الأستاذ " لم يعد نموذجا بالنسبة للتلميذ " ، خاصة أمام تزايد دور الإعلام التلفزي والالكتروني  اللذان  أحدثتا " إخلالاً كبيراً في نظام التنشئة الاجتماعية، وأحدثت اضطراباً وانعدام توازن بين مستويين مختلفين من الخطاب؛ الأول تنتجه المدرسة والأسرة ...  والثاني يتم تلقيه من وسائط الاتصال، ويتجه نحو التحرر واعتماد آليات جديدة في التبليغ يغلب عليها الطابع الترفيهي " .. فالتنشئة الاجتماعية تتجاوز الأسرة والمدرسة لترتمي في أحضان السلطة الرابعة حتى أصبح الكثيرون يتحدثون عن ''موت أو نهاية المدرس'' بالموازاة مع ''موت المدرسة'' بفعل هاته السطوة الإعلامية التي أحدثت اختلالات كبيرة على مستوى صورة المدرسة والمدرس، إذ لم يعد قادرا على تشكيل النموذج المحتذى... من جهة أخرى لا يجب  ان ننسى أزمة القيم التي باتت تعيشها مجتمعاتنا و المرتبطة حتما بالموروث عن الفترة الاستعمارية والتحولات السلبية التي تعرفها مجتمعاتنا ويغذيها الإعلام الفاسد بترسانة وقوته الضاربة .

     5- أمام التحولات التي يعرفها المجتمع  أصبح العنف  يتخذ أشكالا مختلفة منها العنف اللفظي والمادي ومنا كل أشكال التحرش الجنسي .. فقد بتنا نسمع في كل يوم عن اتهامات بالتحرش الجنسي لأساتذة أو مؤطرين من قبل التلاميذ  كما نرى بعض الأستاذة يفتخرون بكونهم يربطون علاقات صداقة أو علاقات حميمية-جنسية مع التلميذات  دون أدنى اعتبار للآداب والأخلاق العامة " للدور الرسالي"  الذي من المفروض ان يؤديه الأستاذ على اعتبار انه حامل لمشروع تربوي وأخلاقي و ثقافي كما بات بعض الأساتذة لا يتورعون عن إسماع التلاميذ  لعبارات مستقاة من قاموس لغوي مأخوذ من المرحاض أو دور الدعارة .. فيشتمون و يسبون ببذيء الكلام وأقبح الألفاظ  . وأصبح بعضهم يستعمل سلطة النقط ليوزعها بشكل عشوائي على التلاميذ حسب معايير التملق والجمال فيفرق بين هذا وتلك  وفيما بين التلميذات بهذه المعايير التي خلقها لنفسه  دون أدنى اعتبار للكفاءة والقدرات . دون ان ننسى نسيان بعض الأستاذة لمهامهم التربوية وانشغالهم بأمور التجارة  وجمع المال ومراكمة الثروات و بالحياة الحزبية والسياسية على حساب عملهم  . ومنهم من يدخل إلى الفصل ثملا ورائحة الخمر تفوح من فمه بل ومنهم من يشرب في المختبرات ... ناهيك عن غياب التواصل بين المتعلم والأستاذ وعدم تلبية حاجات المتعلم المعرفية والنفسية والاجتماعية حسب مرحلة نموه مع تراجع المستوى الفكري والثقافي للمدرس . ونتيجة لذلك تتأزم العلاقة بين التلميذ والأستاذ .

     6- من جهة أخرى فمن التلاميذ من يتصيد نقط ضعف الأستاذ ليعرضوه للمقالب والسخرية والتهكم . فمن الألقاب المختلفة التي يطلقونها عليه وينابزونه بها  إلى الإزعاج الذي يسببونه له في القسم بالشغب الممارس عليه وصولا إلى أشكال  العنف المختلفة التي يتفنن التلاميذ في إبداعها ( سب الأستاذ وصربه بالبيض أو الطماطم ورفض الانقياد لأوامره أو أداء الواجبات التي يكلفه بها ...)  خاصة أمام استفحال ظاهرة تناول المخدرات والتعاطي للتدخين والحشيش وغيرها من أشكال السموم . مع انتشار المتسكعين خارج المؤسسات التعليمية رفقة بعض كلابهم(كالبتبويل)، حيث يتحرشون بالتلميذات والأستاذات أو يبيعون المخدرات والقرقوبي وغيرها من المحرمات . وباتوا يساهمون بشكل كبير في اختلال المعادلة وفساد الهدف الذي من اجله تفتح المدارس لتصبح مؤسسات لتعلم الإجرام وأشكال الانحراف المختلفة ومنها ربط العلاقات العاطفي التي أصبحت متفشية بل أنها أصبحت ظاهرة وموضة مع ما ينتج عنها من تبعات .. دون ان ننسى فشل المنظومة القانونية المختلة التوازن والتي تجرد الأستاذ من سلطته وتنتصر للتلميذ دون الأخذ بعين الاعتبار ما يمكن ان ينتج عن ذلك من انعكاسات تضر بمصلح التلميذ أولا . فتعنيف التلميذ لأستاذه هو تجسيد حي لفشل المشروع التربوي والتي تنتج أحيانا بسبب السلبية التي تطبع عمل المدرس أو اللامبالاة  فيكون رد فعل التلميذ هو التمرد وتعنيف الطاقم التربوي لفظيا أو جسديا أو بأشكال أخرى كتكسير زجاج سياراتهم وتهديد الأساتذة بالرسائل والكتابة على الجدران وتخريب محتويات القسم و المدرسة و الإضرار بها ..

   7- رغم ذلك فمن المدرسين اليوم – وهم كثير - من هم أكفاء يسيطرون بشكل حازم - رغم كل العوائق - على جماعة القسم ، يربطون علاقات وطيدة  و وثيقة مع التلاميذ ملؤها الصدق والجد و المحبة تسير بروح القوانين ، وتهدف إلى تجويد التعلم  .. منهجا التربية السليمة و حسن الأخلاق و يطبعا كذلك الود والاحترام ويسودها جو عائلي يتراوح بين الأبوة والإخاء ، يحركها الذكاء العاطفي العفوي و يقويها الإبداع ومهارات التدريس و طرائق إلقاء التدريس الفعالة و فنون التعليم الناجعة والمشوقة ، كما يزكيها و يرسخها الرغبة في العلم والتعلم ، فليس كل التلاميذ كما وصفنا سابقا وليس كل المدرسين كذلك .. فكما الصراع بين الحق والباطل مستمر ، فمكانة المعلم يمكنه محفوظة وفق ما ذكرناه . كما ان الكثير من التلاميذ يواصلون ربط العلاقة بأساتذتهم تعبيرا عن مواصلة المحبة والوفاء و من الأساتذة من يتتبع المسيرة التعليمية لتلامذته اطمئنانا منه على تلك البذرة التي غرسها و يلاحظها تنمو وتكبر حتى تعطي ثمرة طيبة يستفيد منها الآخرون  .. ويواصل توجيهه وإرشاده دهمه نفسيا و تربويا فيفرح لنجاح و يسر لتوفيقه .
    أمام كل ما سبق نتساءل هل الحالات التي يسود فيها العنف و التوتر بين الأستاذ والتلميذ و تطبعها العدوانية والكراهية هي السائدة ؟؟ أم هي علاقات المحبة والتفاعل الايجابي والتعاون المثمر هي الغالبة ؟؟ . ثم متى سنعيد إلى المعلم وضعه الاعتباري ومتى سنعيد إلى المجرسة قيمتها ودورها التربوي على الأقل على مستوى الذهنية والتمثلات  الاجتماعية ؟؟

خلاصة :
  لا يمكن فصل العلاقات بين الأستاذ والتلميذ عن محيطها السيكوسوسيولوجي و سياقها الحضاري المليء بالتحولات الثقافية و المجتمعية .. إنها علاقة ليست سهلة أو بسيطة بالقدر الذي نعتقد وليست عادية كالعلاقة التي تجمع العمل برب العمل أو الأب بأبنائه ، و لا يمكن حصرها في ذلك الإطار الآلي الميكانيكي ملقي ومتلقي .يتمثل في أداء دور روتيني محدد في الزمان والمكان . ولا تشبه  العلاقة التي تربط بين الأصدقاء أو الرفقاء . إنها علاقة مركبة من كل هذا وذاك يتداخل فيها ما قانوني بما هو تربوي وما اجتماعي بما هو عاطفي وما هو اقتصادي ما هو أخلاقي . إنها منظومة معقدة ترتبط بسيكولوجيا الأفراد و بسوسيولوجيا الجماعات . تنطلق من المحيط وتمتد إلى الأسرة والإعلام . إنها منظومة تلتقي فيها كل أشكال العلاقات الانفعالية و الوجداني والاجتماعية والنفسية تتداخل هذه المكونات فتؤثر وتتأثر فتكون سببا أو نتيجة  ...


المزيد: http://www.akhbarona.com/writers/33652.html#ixzz3ZNMpsCBA

2 commentaires :

 
copyright © 2013 المنظومة التربوية في تونس
GooPlz Blogger Template Download. Powered byBlogger blogger templates